حزن بعِن وبروح

أكتوبر 18, 2013

 

أن أكتب لأن حزنا ما يوقظ فيّ كل شيئ ساكن أمر مفروغ منه من التعب، أن يصادف أن آخر مرة التجأت لللغة فرحةً بشيئ ما كان منذ أكثر من سنة، وأن أعود للكتابة لأنني رأيت ماضٍ من صديقة جداً أنبتَ في قلبي حنيناً لأسئلة خامدة أتناساها عمداً لأمضي قدماً في خلق الاجابات فقط. أن أعود لأنني سمعت بحادث سيارة أودى بحياة أرواح ليلة العيد فأقرر أن أخلد بحرف ما قبل أن أموت ميتة مشابهة، أو لأن تعاظم الصرخات التي تطلقها أمي منذ أيام في وجه كل من تراه يدفعني لأن اشتمها هنا دون دراية منها، أو لأن الأحلام تشتد وطأة في كلمة المستحيل. أكتب لأن الرب سائح في فراغ داخل عقلي الذي لا يؤمن بكل ما تؤول اليه الأحوال، لا يؤمن فقط بل يكفر بكل أم الأشياء المستعصية على قول على هذه الأرض ما يستحق الحياة، أكتب هذا في الوقت الذي لا أعرف البتة لمَ أنا هُنا، ولمَ نقمة كل شيئ تلاحقُني، في الوقت الذي أخطط فيه لأقصى الأحلام جمالاً، لحرية تأخذني من قلب الحُب لقلب وطنٍ آخر، في الوقت ذاته الذي يحدثني فيه أبي بعد سنوات من الغربة، ليحتضنني ويقبلني أنا المذهولة من فرط الفرحة والاستغراب. حال الأحوال تحتمُ عليّ أن أقاوم كل مقومات الحزن الذي لا ينبتُ الا التحديق في الغد بعيون الأعمى. لكنني من فرطِ بؤسي لا أقام و لا أكف عن قول الكلام القبيح جداً سراً وعلانية.
بعد أن بلغ الفراغ أقصى الذاكرة وأقصى الحلم وأقصى اللاشيئ، وبعد أن جف حبر القلم في رسم لوحة ما، وبعد أن تاهت الذاكرة بين الغد وحقيقته، أشعر خفية بأن أي حُزن يُكتب في نص ما لا يعوّل عليه.

Woman’s Color

مارس 8, 2013

 

 

SAM_0558

بُوسة في الشارع

نوفمبر 2, 2012

 

 

قالها دون خجل أو مواربة من عيون الله المنتشرة عند أفق البحر، أريدكِ. قالها وهويبتسمُ غيظاً من حافة السقوط تحتَ صوت البحر، وهو يمتعض غيرة من صديقه في أحضان الغريبة، ومن صديقه الآخر المسافر طولاً في الصحراء ليحضى بقبلة واحدة فقط من حبيبته على شاطئ اسكندرية، قالها بعد سيل جارفٍ من الشتائم الوقحة على مسامع هذا الكوكب المنفي من بقعة حياة تصلح لعاشقين، قالَ أريدكِ واستبرقت عيناها عشقاً، وانخرط الموج في شبق من التّمني .

عن الحب وغزة والسفر

أكتوبر 31, 2012

على معبَر ايرز، تنتظر في ساعة متأخرة على السفر، جواز سفرِها لأحلامها المنشودة، كان يرتّل عليها التوصيات في قلب الحافلة التي تقلهما، ويغني بأناشيد من التفاؤل والأمل بتحقيق المنشود من الحلم، كان يبكي داخلَ قلبه ويضحك لها خوفاً أن تشقّ دمعة خجول ملمس خدها الوردي من حرارة ذلكَ اليوم. تأخذ الجواز على عجلٍ غير مكترثة بخيبة الأمل المخفية في قلبه بأن لا يُسمح لها بأخذه، تنظر بعينِ المأخوذ بالولع لتأشيرة الدخول لبلاد الغربِ وتبتسم لهُ، تأخذ صوراً تذكارية لهُما وتخفي نيّة مأجلة لسرقة حُضن قبلَ الوداع، لكنّ سرعة الحافلة الذاهبة لمعبر رفح البري تخونها وتخون النيّة بحضن واحد فقط، غزة خائنة للأحلام دوماً.

لم تكُن مصر بالجمالِ الذي اعتادت ترديدهُ دونَ حتى أن تراها، هذا طبيعي، وسط زحمة خانقة من أقارب يحولُون دون أخذ قسط من الحب في شوارع القاهرة، كل ما بدا وقتها أن مصر مدينة الهواء العفن، ومدينة الأناس الكثيرين.

أن تصلَ المطارَ لأول مرة في حياتها، كانَ شعور يفوق الوصف تقديراً، لا تلبثُ أن تشاركَ عرش سعادتها مع الحبيب في البلاد الحبيبة، تبعث برسالة تطمئنه على حالها لتقول في نهايتها" حاسة إني ملكة "، لم تكذب، كانت الملكة الأقربُ الى الله فرحاً وسط طائرة تسبح فوق الغيم تعجّ بالجنسيات واللغات المختلفة، لم يكن بمقدورها أن تستسلمَ للنوم ثانية دون أن تواكبَ شكل الغيم في حركته، أو لحظة وقوع أول حبة برد على شباك الطائرة الموازي لفضاء هذا العالم، كانت تنظرُ بعيون اللاجئة إبنة المخيم ذو الأسطح الاسبست للحريّة لأول مرة في حياتها.

بقعة من الجنة على اتساعِ النظر -سويسرا-، كانت الشهقة الأولى غزلان شاردة في المدى، شهقة أخرى عندما بسط الله راحتيه في خلق شلال يضاهي الجمال جمالاً، الحافلة تسبحُ في غيمة، تفتح نافذة الباص لتغرف ما لذ وطاب من رائحة الغيم ومذاقه الملتصق على كفها،  تقلعُ بأحلامها فوق أعلى قمة في الجبل، المكان المدعو
“End of the world” لم ينتقص الاسم من معنى هذا المكان شيئاً، لقد كان نهاية هذا العالم حقاً، لقد كان الجنة.
في الغرفة الزجاجية حيث السرير المصنوع من الريش،( ليس عندي أدنى شك بأنه لربما ريش طاووس أو نعّام) ، حيث التقاء الغابة تحت النافذة، المقابل لها جبال الألب البيضاء، المسبوقة ببحيرة تشبه البحر في اتساعها تسبح فيها بجعتان وبط وإوز وتتدلى على ضفافها أزهارٌ بكل ما تعرف ولا تعرف من الألوان والرائحة الزّكية.سيدة تلقي التحية بالفرنسية وتُبدي اعجابها بالشال المطرّز على كتفي، أبدأ في الغناء لها ولزوجها المبتسم دائماً بالأغنية المفضلة عندي " طل سلاحي من جراحي يا ثورتنا طل سلاحي" تصفّق، وأختلي بعينين أغارهما دمعٌ وكتير من التمنّي – لو أنه هُنا-.

في العودة بعد أكثرَ من اسبوعين كانت القاهرة تختلفُ تماماً، كانت كالطبيعة المخيلة دائماَ في ذاكرتي، كانت الرفقة أجمل، المقاهي والنظرات المتسللة لأشكال المارين التي تبؤكَ بحضارة التاريخ، الوجوه السّمراء، وميدان الثورة والشهداء، والنيل العظيم، والتمثال المختبئ تحت التشييد، والعاشقين على ضفاف النيل، حتى المعكرونة التي أفشل ولأول مرة في طبخها كل ذلكَ ذكرى مختبئة وإن خانتني اللغة في وصفِ بساطتها وحريتها المطلّة على شُرف الهواء الخشن في غزة، مصر كانت سيدة البدايات والنهايات في خلق الفرص مع الحياة، وأم الدنيا لتحتضن اللاجئين بأحلامهم وأحاديثهم الدائمة عن الوطن والثورة والحرية، أم الدنيا لتجمع أصدقاء تفرقهم غزة كعادتها المنشودة في صناعة البؤس والأقاويل. كانت غزة في ذلك الوقت هوسُ الجمال والاشتياق والعودة سريعاُ لحضن الوطن لأنشد الأشعار في الغربة وقهرها. لم أكن في ذلك الوقت بكامل الصراحة والجرأة التامة لأقول أن الهوسَ هو العودة لأحضان الحبيب، لم يكن اشتياقا لغزة، كانَ الاشتياق له فقط، وكانَ الهوس هو الهروب بعيداً عن غزة وأحلامها المهترئة .

كانَ حريّ بها أن تدركَ مآل الحال عندما حاولت دون تردد أن تحضنه عندَ أول لقاء بهما بعد أسابيع تكاد أن تكون قروناً، كانَ لا بدّ له أن يذكرها بخجل وبعيونه الممتلئة بالدمع شوقاً أنها ما عادت في بلادِ الحب والحريّة، ليكون أول الحديث حينها سيل من الشتائم على مدينة اصطفاها الله لتكون مدينة الموت الخائنة لكل معاني الحب، المدمّرة لأبسط حُلم ينبتُ بين مفاصلِ صخرة نقشَ عليها الحب قسراً، غزة التي ينعمُ بخيال ظلّها أغنية حزن وجنازة عاشقين. والتي تصرّ أينما ولّ محبوب قلبه على صفعهِ مراتٍ إن فكر بقطع الشارع ممسكاً يد حبيبته، هذا نصيبُ الحبّ في غزة، وهذا نصيبُنا منها.

نفسٌ أمّارة بالعشق.

جوان 22, 2012

 

 

كنتُ أظنّ أن النطفة في رحم المرأة قُبلة، لم أعرف أن القُبلة على شفاه المرأة تُنجبُ كوناً، وأنّ برعمة ربيع تنبتُ على مشارف نهدٍ يلوذ بالحُب فراراً، ويكتبُ قصيدة لأيام جميلة لم تأتِ بعد.

سوريا.. مذابح لله

أفريل 3, 2012


“ إن الكف تلاطم المخرز “ التشبيه البلاغي والاعجازي الذي قامت بشرحه معلمتي في الاعداديّة عندما ارتسمت علامات الاستفهام والتعجّب المنطقي فوق رؤوسنا “ كيف تلاطم الكف المخرز ؟” قالت وكأنها قد سبقت وأحضرت اجابة مُقنعة “  يمكن لبس قفاز حديدي، التكنولوجيا وصلت لأكتر من هيك “ ! / اقتنعنا نحن الصغار بتفكيرنا وجاء السؤال بصيغة أخرى “ والناس الّي ما فيها تشتري قفازات حديد شو تعمل، تلاطم المخرز برضو ؟ ! “

263137_172879729442828_144315515632583_465659_6948622_n
لهذه اللحظة يربكني الجواب المختبئ تحت الأسئلة، الجواب الذي سيفجعُنا جميعاً ويأتينا بالموت من حيث نعلم تحديداً، الجواب الذي يمكنُ أن يحذف أمة بأكملها في عالم المجهُول، فلا شاهد هُناك يخبرك بالحقيقة المرة والحلوة الطعم أحياناً  أخرى، أنت وحدك ستكون سجين الجواب الذي سيصدمك في كلّ مرة يخطر في بالك فتصدقه وكي لا تقع في متاهة البحث عن الغد الحامل لجواب يشفي غليلك، اكتفي بطرطقة أصابعك مع كلّ سؤال جديد، لا تبحث عن اجابة، فالأجوبة عمياء وحدها الأسئلة ترى* كل الفزع المغمور في قلبي بالأمل قبل الألم هُو تساؤل صغير يردده ريف دمشق وشوارع درعا وحمص ودوما واللاذقية وتدمر وحلب وبابا عمرو وحي الخالدية،  هذا التساؤل الذي يُخجل العالم المنحني صمتاً، والذي يدرأ عبء تأنيب الضمير ببعض البعثات لاستكشاف الوضع، في الوقت الذي يمكنه اختصارا للوقت ومشقات السفر أن يكتب على أي صفحة بحث الكترونية سوريا وجرائم الأسد، ليرى الحقيقة بأم عينه، الحقيقة التي تفوح عطراً بأجساد الشهداء، وبزفهم مواكب مواكب الى سدرة المنتهى من الجنة/ الحقيقة التي  تغنّت بها حنجرة القاقوش قبل اقتلاعها.
لا أدري كيف لكلّ الكون أن يصوغ وسيتضيغ صمتاً بهذه البشاعة المطلقة، وكيف لهُ أن يكون بقمة هذه الجرأة الوقحة ليكذّب الدم الزكي، ليكذب المجازر، وليعتلي منصات الزور الممتلئة بالدّجل فوق حُطام مدن دمّرت عن بكرة أبيها، صدقاً إن العالم مخبُول متواطؤ يمسك بكلتا كفيه مقبضة المخرز وهذه الحقيقة التي نعرفها نحن الفلسطينيون أتمّ المعرفة والتي نُشهِدها للرب أمام ملكوته في السّماء ..
قد نضحك باستهجان كبيرين عند مشاهدة فيديو مثل " هذا  " الذي ملأ ساحات اليوتيوب بالوقفة الرجوليّة من رئيس الشاباك الاسرائيلي سابقاً بجانب اخوتنا بسوريا، مستهلاً الحديث بوصف انسانيته مخبتئاً خلف وجه حزين متثاقل ليصف جرائم بشار الأسد في مدن سوريا نحن الذين ندرك حفظه لأسماء تلك المدن والقرى عن ظهر دبابة ومجزرة، ونعيد الضحك من جديد تاركين فسخة لمخبول عبري أن يظهر التعاطف من أمام الكاميرا، ليلعن سوريّا وأهلها من خلفها.
لم أقرأ عن تاريخ سوريا الكثير، ولم أتطرق عن قصد أو غير قصد للبحث عن بشار الأسد أنا المهووسة بالتعرف على أسماء رجال الدول العربية وأشكال زوجاتهم، لأتوج في مخيلتي أجمل زوجة لرئيس عربي، ولأضحك جهاراً على بشاعة احداهُن، لكن الثورة السورية ألمت بي وللمرة الأولى لاستكشاف تفاصيل أبشع الرؤساء العرب.
ورثتُ عن جدي الكره لحافظ بعد سلسلة من رواياته -التي كنت أشك بها أحياناً -عن قاتل الفلسطينيين والعقل المدبر لأكثر المجازر بشاعة لللاجئين الفلسطينين ، وهكذا ارتبط في نفسي الكره الذي امتد حديثا ليصل الابن بعد أكثر المجازر بشاعة على مر التاريخ، لا أدري أي الكلام يُقال أنا التي لا أكتبُ في هذا الموضع كلمة واحدة بل أستشعر بالدم الزكي المسفوك ولا جهادَ أصل فيه السبيلا إلا بالكلمة والدعاء والدعاء .

*أحلام مستغانمي

الزّمن الباقي

مارس 31, 2012

 

SAM_1903

“هذا محمّد علي/ السّبع محمد علي “ ما يقوله جدّي عند الحديث عن أباه المتمثل بكل قصّة يمكن أن يرويها لنا عن البلاد، جدي وهو أصغر أبناء محمد علي وفاطمة كان المدلل بينهُم وله امتيازات عدّة في الدّلال كان له “ حذاءين “ من القماش، و”خرقة “ يضعها على رأسه، كانت مزركشة يتباهى فيها بينَ أبناء جيله من الفلاحين الصغار، ولم يكُن ليخرج الساعة الثانية ليلاً من هربيا على ظهر الحمار الحامل لسحارات البرتقال والجوافة لبيعها في أسواق المجدل وحده، بل كان يصحبه أخاه الأكبر سناً، في حين أن الاخوة الذين يكبرونه ببضع أعوام فقط كانُو يتحملون رعبَ الأحراش أنذاك، هذه الرحلة التي جمعت بين أخت جدتي البكر مع أخ جدي، والتي أشعلت الحب في قلب جدّي قبل سنوات من الزواج /وكان الارثُ العظيم من الدلال بندقيّة، هذه البندقيّة التي لازمته عُمراً وكانت شاهد العيان الأكبر على هجرة 48، كان يختبئ في زاوية من زوايا “بابور المي “ المنتصب على تلة في هربيا مطلق العنان لفوهة البندقية بأن تتلذذ في مواجهة طائرة حربيّة، ولكن لصدق الرواية التّامة نقلاً على لسان جدتي كان يغني مع الثوار من أبناء القرية وهُو يبكي مطالباً بحضن أمه، هو لم يتجاوز الرابعة عشر وفي يده بندقيّة، اشتدّ وقع الموت على القرية فلاذ الجميعُ بالفرار كما الجيوش العربيّة في ذلك الوقت تماماً، وبقيت الأرض حبيسة الوحشة والباقي من أشلاء الشهداء.
البندقية عاشت دهراً واستسلمت كما باقي أسحلة المخيّم سنة 1967، عندما تمّ زجها في ما يسمى الأن “ بركة أبو راشد “ في مخيم جباليا، البندقية التي شهدت ما شهدت عن البلاد اختفت، لكنّ الزمن الباقي في ذاكرة الأجداد يُحيي الأرض الخراب وذكريات البندقية.

SAM_1912

أمّا هذه الجميلة فهيَ “ ستّي شمة “ بصحبة البريطاني الجار “ ويمن “، بعد الهجرة بأشهر، لا أدري أي حضن وابتسامة هذه التي تجعلُ من هوية محتل ولاجئ أن تُظهر صورة بهذا الجمال، جدتي كانت تعملُ لديهم وهذا العمل الذي أكسبها بعض الكلمات الانجليزية التي تحفظها عن ظهر قلب لهذه اللحظة، وهذا العمل وطيب المعاملة التي عاملوها لجدتي في بيتهم المقام على أرضنا هُو ما أبكاها عندما منعها عمّها من زيارتهم مرة أخرى لأنهم انجليز، هذه الصورة اللقاء الأخير بهم، وبداية المعاناة الأزلية بسببهم .

SAM_1904

هذه الصورة بعد أن اكتمل الحلم الذي بدأ في الطريق من هربيا للمجدل، اكتملت العائلة مع جنين سيسمع قصة البلاد عن والديه للمرة الألف، بين هربيا والمجدل سطّر الزمن قصّة حب الأرض، وأكمل مسيره لنيسان جاعلاً من خرافية القصيد “ الطريق الي البيت أجمل من البيت “ حكاية جديدة تسطرها أسطحُ اللاجئين في الحُلم الممتد من هربيا الي المجدل بقافلة من زهر البرتقال ورائحة الجوّافة وذاكرة الأجداد .

سلامٌ عليكِ

مارس 23, 2012

 

SAM_1871

وأبقى صبياً على ساعديكِ الي أبد الآبدين Red rose..

 

برقيّات صداقة

فيفري 8, 2012

 

الى حوّا#SAM_1631
لا يُمكن القول فيكِ أنك سرد في خطّ علاقات أتورّط فيها تباعاً لجنون يصحبُنا سوياً أو لاله قابع في مختلف تفاصيل حديثنا نختلفُ في تعريفه، أو لأسرار نخفيها في جيُوب بعضنا البعض، لا يُمكن أن أقول فيكِ بأنك صديقة لغة عابرة أو متشبثة في ذيل ثوب الزمن المتنازع على عد هذا الكم الهائل من الشعوذات لذيذة الطعم في راحتك، ولا يمكن أن أقولَ بأنكِ أخت من رحم آخر ونحنُ الموصولتان في ذات المشيمة نفسها، ولا باستطاعة سمّ مزاجك أن يقتل عطشي لوردِ أحاديثك الصاخبة أحياناً والملجومة بالصمت أحياناً أقل. كُنت أفكر بأن أمضي تاركةً كم الهُراء الذي تتلفينَ به عقلي بينَ كلّ زيارة أو لقاء ما، لكنّي وعلى غير عادتي في اللامُبالاة أكترثُ لهذا الضوء الحاشر نفسه بينَ فكي شق الباب، أعودُ لألتفتَ لكِ متجاهلة كم الانثناءات على وجهكِ ضجراً/ حُزناً/ أو ثقلاً ما لا تجديني الجديرة بحمله، أعُود لأنني أعلم بأنكِ جارةُ قمر يتهادى ليلاً ليخبرني بأنني في راحة قلب صغير كقلبك مفترشة سجادة صوفٍ وساكنة هُناك للأبد، هذا إن لم يخُونني القمر، وتخُونني ضحكة قرمزيّة يرسمها شيطان ما على وجهك .

الى صديقة جامعيّة#
كثيراً ما تخوننا البدايات، لترتسمَ في النهاية خط ممتدّ للذي كان فقط، وبعض من الصّور التذكارية في محطاتٍ مختلفة من شوارع المدينة، وكثيراً ما أيضاً تستوجبُ النّفس حقّها في السؤال الذي لم نطرحه لانشغالنا في التخطيط للمستقبل وللعلامات الجامعيّة ولتقصّي لي أحداث الطفولة التي تفخرين بها في مخيّم الشتات وأقص أنا لكِ أحداث الطفولة التي لا أذكرها، وبعضاً من الأسرار، السؤال الذي لم يكُن ليطرح آنذاك لأنّنا لم نكُن لنعرف أي المتاهات سنسلك رياءاً وخجلاً من الحقيقة .. هل نحنُ أصدقاء؟ 
لم أكن لأتصوّر أن ثقوباً في الرأس ستكبُر كلّما صادفني الحنين “للذي كان “ وأنّني سأمارسُ طقوس اللامبلاة معكِ تحديداً، بعد أن افترشنا لحافَ الحلم ونمنا في ذات الرّكن من زاوية البيت، لا أعرفُ تحديداً لمَ تصرّ هذه الجامعة على أن تملي عليّ الخيبة فالخيبة، ولكنني أذكرُ غزلَ الحكايات من لهجتكِ المُغتربة، ولا أنسى أنّ اللحظات مُبللة بلظى يُشبه الاشتياق .

الى ظل ما#
أمّا أنتِ سأخبركِ يوماً أنني انتظرتُكِ طويلاً وأنكِ أتقنت حياكة لون الظل الذي لا يُفارقني، وأنني بفعلة احتياج ما أحنّ الى صوتكِ المُؤذن بالحكايات والأسرار التي لا تنضب، معك وحدكِ لن أقلق من غلبة الزمن العجُول للفراق، ولن أستاء من تكشيرتك التي ستنقض عليّ عند التفوهه بهراء ما، ولن أسكتَ سيل الشتائم الوقحة التي تتلذذين بالبوح بها وتختالين بالاحتفاظ بها بجُعبتكِ، سأدنُو منكِ لأتخذكِ روحاً ورفيقة سفر، وعرّابة لصغيرتي، وصديقة للأبد .

 

والحنينُ اذا تنفّس

فيفري 7, 2012

 


كان لا بد لي أن أستبقَ أوّل حافلة أقلتكَ من بلاد الوطنِ الي الشّق الآخر منه، لأكتبَ لكَ كلمة تُؤنس وحشة اللّيل هُناكَ -إن غافلكَ الحنين اليّ-، كنتُ لأستبقَ البرق وأرسم ملامح وجهٍ تهجّد لتحتفظ بهِ في محفظتكَ البعيدة عن أيدي الغيمة الأم، وكنتُ لأكتبَ كلّ يوم رسالة يُضنيها الشّوق وتشتعلُ بحرارة الأنفاس المسروقة في دقيقة مُكالمةٍ “ محليّة “، كنتُ لو أن الغياب لم يباغتنا فجأة لأحضنكَ في ذات المقهى أمام النادل المُغتاظ من لمسة ايادينا خفية، كنتُ لأقبّلك – ربّما- إن لم يخُونني خجلي ولم تخني أنتَ بقبلة مُفاجئة، كنتُ لأفعلَ كلّ ما ذُكر لولا احتباس حراري يُتعب القلبَ حيناً ويأبى الانفجار أحياناً  ..

تعرفُ تماماً أن الكتابةَ فيك، كالكتابةُ فعلياً على ذاكرتي المثقوبة بالنّسيان، وأن الحروف مجتمعةٌ ما هيَ إلاّ ابتذال أمامَ صومعة الأدب كلّه إن اجتمع، ولا استفاء لحقّ مناضل بباقة زهُور فقط، لكنّ الحنينَ يبلغُ من زبد البحر ما يبلغ، ويشعلُ في مآرب النّفس ناراً تلهتمُ كومة حطب، هذا الشّوق الذي يُخرسُ قلماً ويكبّل ريشة ويلجم بحّة ناي ويغتالُ بخطى الواثق من الموت نفسي، ويقتُلني ..
تعرفُ أيضاً أنني لا أتقنُ صفّ الكلام في حضرة غيابكَ، وأن كلّ الكلام المُتساقط من فوّهة القلب هارب إليكَ دون أن يمُرّ من بين يدي، وأنهُ ذاته يأبى أن يدشّن أمامَ أعين غيرَ عيناكَ اللوزتين، ويمتثل للسكوت والصمتِ الى أن يندثر أمامكَ كسيل نهر لبنِ في جنتكَ
هذا الكلامُ ليسَ اشعاراً باشتياق، ولا انذار بازدياد حجمه، هذا الكلامُ ما هُو الاّ سمفونيّة مُهترئة على مسامع الكونِ، لا تماثلُ أذكار الصباح في أنفاسك، ولا تراتيلُ المساء على جسدك، ولا حولَ لها ولا قوّة إن ما قُورنت  بكلمةٍ واحدة “ توحّشتك “

وتوحشت ريحة.. مسك الليل.

أعرفُ أن أمّ الدنيا كفيلة بسلب روح عاشق، وأعرفُ أن ملاذ الضّوء قابع في حيّ شعبي، وفي طريق ممتد لشجر نخيل، وفي منتصفِ ميدان الدّم والحُرية، وأن الحكايات التي تختبؤ في شوارع المعمُورة قادرة لأن تُنسيكَ شالاً بلون الربيع، أو دُميّة تصطفّ بابتسامة مُضحكة، أو لقاء في مقهى ما خالٍ من أحمر الشفاه على فنجان قهوة، أو يوم يحملُ ذكرى يتسللُ خفية الي باطن الذاكرة، أعرفُ كلّ هذا ولا أخشى شيئاً/ فقط أبتسم لأنّ روحاً تسكُنك لا تنسى، وأنّ ضحكة موشومة على وجهكَ لا تبتسمُ الاّ في حضُور اله الحُب، ولا مناصَ من الفرحِ بوجود خفاء ما كاملِ التكوين في صدرك فعمتَ يا قلبي النابض بحبه شغفاً، وعمتَ بالاشتياق مساءً .

هذه التدوينة ضرب من ضروب الحنين المُهداة لقلبه فقط /